يايوم بكرة ماتسرع /د/ مصطفى الطيب 5/12/2010

أظن أن كثيراً من الناس مثلي تماماً يحسبون الأيام وربما الساعات انتظاراً وشوقاً لذلك اليوم الذي يغادرنا فيه باقان وأشباهه إلى غير رجعة ذلك أن وجوده بين ظهرانينا يعني «الموت الأحمر والطاعون الجارف» ـ كما يقول الجاحظ ـ كما أن وجوده يملأنا يأساً ويعكِّر صفونا ويحيل حياتنا إلى جحيم وسلامنا إلى حرب رغم أنه، ويا للعجب، يسمَّى بوزير السلام!!

«السودان يمر بزلزال وقد يسقط وينهار على رأس الجميع»... ذلك ما قاله الرجل الذي يقصد أن يخيفنا ويملأنا رعباً فلا تنطلي عليكم الخُدعة قرائي وأهلي الكرام من أهل السودان الشمالي... أقول إن ذلك ما قاله نذير الشؤم والبوم «البعجبه الخراب» الذي لا يعرف غير هذه اللغة فقد قالها قبل أن تحل علينا نيفاشا ويطأ بقدميه جراءها هذه الأرض الطاهرة.. هل تذكرون مقولته التي نشرتها جريدة الصحافة قبل سبعة أشهر من توقيع نيفاشا والتي جاءت بعنوان: «نيفاشا ستقضي على دولة الجلابة» بل هل نسيتم ما قاله حين «بشّرنا» بأحداث الإثنين الأسود قبل حدوثها بعدة أشهر حين قال هو ورفيقه الحاقد الآخر إدوارد لينو مسؤول استخبارات الحركة السابق الذي رشحته بكامل قواها العقلية ليكون والياً على الخرطوم حتى يحرقها كما أحرق أبيي التي كان مشرفاً عليها وكما أحرق نيرون روما... هل تذكرون تحذيرُهما من انفجار ما سمّياه بالحزام الأسود حول الخرطوم الذي انفجر بالفعل واستباح العاصمة في يوم الإثنين الأسود الذي لن تمحوه الأيام من ذاكرة الخرطوم وشعبها المسالم؟!

باقان يتحدث ويحذر من الزلزال الذي يعلم تماماً أنه سينفجر في جنوب السودان وليس في الخرطوم.. جنوب السودان الذي يشتعل بالصراعات القبلية التي تأخذ بتلابيبه وتُمسك بخناقه خاصة وأن جميع القبائل تخشى من سطوة القبيلة الواحدة الحاكمة اليوم وهل تمردات جورج أطور وقلواك قاي إلا أنموذج لتلك الصراعات وهل تمرد جوزيف لاقو قديماً على إنجازه التاريخي المتمثل في اتفاقية أديس أبابا عام 2791 إلا لأنه اقتنع بأن اتفاقيته ظلمت القبائل الصغيرة بل والكبيرة وحينما اكتشف أن الإقليم الواحد يعني وضع سيف الدينكا على رقبة بقية القبائل خاصة الاستوائية التي ينتمي إلى إحداها «قبيلة المادي» فما كان من جوزيف لاقو موقِّع «أديس أبابا» إلا أن أوعز للرئيس نميري بتعديل الاتفاقية التي حمّل أبيل ألير وغيره من الساسة الجنوبيين وتبعهم «القطيع» من الشمال... حمَّلوا الرئيس نميري وزْر تعديلها الذي قالوا إنه كان السبب المباشر في اشتعال الحرب من جديد وقيام «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بالرغم من أن التمرد اشتعل قبل عدة أشهر من تعديل الاتفاقية بل ومن إصدار قوانين سبتمبر الإسلامية التي حاول العلمانيون إدخالها في «الخط» وإدراجها ضمن أسباب التمرد!!

الزلزال يا باقان سيشتعل وينفجر في الجنوب وليس في الشمال الآمِن المستقر وإليك الدليل: فعندما حذر الغربيون من حدوث تفلتات وثورة في أعقاب انتخابات السودان شبيهة بتلك التي اجتاحت دولاً إفريقية مثل كينيا وزيمبابوي كنت مطمئناً بأن الشمال يختلف عن الجنوب وعن إفريقيا فقد خاض انتخابات آمنة منذ الخمسينات فلماذا الخوف عليه وكنت أعلم وأقول إن ما شهدته دول إفريقية أخرى يمكن أن يحدث في جنوب السودان تحت حكم الحركة وقد كان، وما التمردات التي أعقبت الانتخابات في جنوب السودان مثل تمرد كلٍّ من أطور وقلواك وغيرهما إلا دليلاً على ذلك.. فهلاّ وجه باقان تحذيراته إلى أهله في جنوب السودان وترك الشمال وشأنه!!

إن ما يحدث في جنوب السودان من أجواء ملغومة ومتوترة وضعف للدولة وجوع وخوف ومرض وفساد ضارب الأطناب ينبغي أن تكون أهم أوراق الضغط التي تستخدمها الخرطوم في معركتها مع الحركة وراعيتها أمريكا فإذا كان عدو الشمال ومستشار الحركة الأمريكي روجر وينتر قد أخرج الخطة «ب» ليطبقها عقب انفصال الجنوب مستعيناً بالحركات الدارفورية المسلحة المستخدَمة من قِبل إسرائيل والدول الغربية لإحداث التغيير في الشمال وإنفاذ مشروع السودان الجديد الذي فشلت الخطة «أ» في وضعه موضع التنفيذ فإن أهم كروت الشمال لردع الحركة تتمثل في إبلاغها بأن بيتها مصنوع من زجاج ومن الخير لها أن تقيم جواراً سلساً وسلاماً مستداماً.. ويجب على المؤتمر الوطني الحاكم أن يكفِّر عن خطئه الفادح في نيفاشا فقد واتته الفرصة اليوم وجاءته طائعة مختارة في بيته بفضل الله الكريم فحذارِ من تفويتها ذلك أن إضاعة هذه الفرصة في هذه الأجواء المكفهرّة والكيد الكبير والمخطَّط الأثيم الذي يستهدف الشمال وجوداً وهُويَّة ينبغي أن يجعله أكثر حرصاً على الاتعاظ وعدم تقديم أي تنازلات هذه المرة وهو في مركز القوة.. أقول مجدداً إن على المؤتمر الوطني أن يكفِّر عن خطئه القديم حين خرج من الجنوب وفرَّط بذلك في أهم أسلحته وسلّم أوراقه إلى الخصم بل منح الحركة أوراقاً في الشمال مكَّنتها من التفاوض من مركز القوة فبدلاً من أن يفاوض وجيشُه في الجنوب فإن الحركة هي التي تفاوض الآن وجيشُها في الشمال بعد أن أخرج لها المؤتمر الوطني جيشه طائعاً مختاراً، أي أن نيفاشا قلبت الأمور تماماً وأحالت المنتصر في ميدان القتال إلى منهزم والمنهزم إلى منتصر!!.

كيف يكفِّر المؤتمر الوطني عن «جليطة» نيفاشا؟! هذا ما نجيب عنه غداً بإذن الله.